الحروب والفنون- مرآة للدمار أم تجميل للواقع؟
المؤلف: عبده خال10.12.2025

الصراع المسلح هو نزاع ينشب بين طموحات متباينة تسعى لإعادة رسم الخرائط السياسية، وحتى إنْ لم يُفضِ إلى تغييرات جذرية في الجغرافيا، فإنَّ المفاوضات المتصلة به تترك ندوبًا عميقة تحمل بذور صراعات مستقبلية. وفي خضمّ آلة الحرب، تزدهر الفنون بتنوّعها الثري، لتكون نتاجًا للتحولات السياسية العميقة، بغضّ النظر عن النتائج المباشرة لتلك الحرب.
الحروب الكبرى هي بمثابة ملاذ إنساني أخير، تلجأ إليه البشرية كمن يندب حظّه ويعوّل على فقدان حياة ولّت بلا رجعة. ولهذا السبب، يُطلق على الإنتاج الأدبي أو الفني الذي يخرج من تحت ركام الحروب "أدب الأطلال"، وقد تعددت المصطلحات التي تصف أدب الحرب وتعبّر عن مآسيه.
الرغبة هي صفة حميمة تلازم الإنسان، وهي تتغير وتتبدل تبعًا للظروف المحيطة والأفكار المتغيرة. فكلّ أيديولوجيا سادت، كان منطلقها الأول حربًا، فالرغبات هي وقود الحروب، تستخدمها لتغيير القيم الراسخة وإعادة تشكيل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا التغيير يطال المتحاربين على حدّ سواء، ومن هم على هامش القوى المتصارعة.
إننا أشبه بالبطل الأسطوري سيزيف وصخرته التي يعذّب بها، نسير مثقلين بعبء الخطيئة، ونتظاهر بتجسيد الآلام الإنسانية من خلال الفنون، محاولين تجميل بشاعة الواقع وفظاعته.
غالبًا ما نتناسى الحصيلة المأساوية لتلك الحروب. فعلى مرّ السنوات، شهدنا تدمير آثار إنسانية عظيمة وسرقتها. وما حدث في أفغانستان أو العراق أو سوريا من عمليات نهب واسعة النطاق للتراث الإنساني ليس ببعيد. فالحرب ليست مجرد تدمير للحاضر، بل هي تدمير سافر للمنجز الإنساني عبر الزمن، محوًا لذاكرة الأجيال القادمة.
وإذا كانت الفنون تجسّد وقائع الكوارث التي تخلفها الحروب، فإنها غالبًا ما تغفل عن سرقة حضارات بأكملها. فتجار الحروب ولصوصها ينهبون كنوز ما بين النهرين كمثال صارخ على تدمير الماضي والحاضر معًا، جريمة لا تغتفر في حق الإنسانية.
إننا نذرف الدموع على الألم المباشر الذي يسببه الموت والتشريد، لكننا نادرًا ما نبكي على ضياع الأثر الحضاري للإنسان الأول، هذا الإرث الذي لا يعوّض.
نحن شهود هذا العصر، فالحرب الإسرائيلية الفلسطينية والحرب السوفيتية الأوكرانية تجاورهما عشرات الحروب الأخرى في بقاع مختلفة من العالم. وكلّ منها يخلّف ويلات إنسانية حقيقية، بينما الناتج الفني والإبداعي لا يعكس بحق حجم الفواجع التي تتسبب بها هذه الحروب.
حروب تُستخدم فيها أسلحة فتاكة، نارية وبيولوجية، لإفناء أعداد كبيرة من الناس. وفي خضمّ هذه الحقبة المليئة بالصراعات، تزدهر الأخبار والتقارير التلفزيونية. وأعتقد أنَّ ما تنتجه القنوات الإخبارية سيغدو في الغد أدبًا رفيعًا، خاصةً تلك التقارير التي تتسم بالبناء الرصين والأسلوب اللغوي البليغ. فهل هذا يعني أنَّ التقارير التلفزيونية أصبحتْ أدبًا يضاهي الحرب ويلتحم بها مباشرة؟
تلك القنوات تتغذى على مآسي العالم، ونيران الحروب تستعر في أماكن عديدة. وضحايا الموت والتهجير بالملايين. وفي كلّ بقعة من هذه البقاع، يوجد كتّاب وفنانون وإعلاميون، ينتجون أعمالًا كردّة فعل على هذا الدمار. ونتواطأ معهم ومع أنفسنا على أنهم جسّدوا المأساة الإنسانية، بينما نجد في الواقع أنهم عمدوا إلى تضخيم ذواتهم من خلال استغلال معاناة الإنسان وانتهاك أبسط حقوقه.
لقد أوهمنا التاريخ بأنَّ الماضي كان جوهرة لم تشوّهها الحروب في وقتها، بينما الأعمال المكتوبة ليست سوى شظايا من تلك الجوهرة، تكشف عن جزء يسير منها. ونصف الناتج الأدبي والفني بالجمال، وهذا الجمال هو جمال القبح. فالثنائية حاضرة بقوة، وكلّ طرف يسعى لإنهاء الآخر. ومن رحم هذا الصراع الثنائي تتولد كلّ المجالات. فالخط الإنساني الفردي يبدأ بالولادة وينتهي بالموت، وفي المسافة بينهما تتولد الجماليات التي نتناسى بها النهاية المحتومة. وليس في هذا تشاؤم أو إحباط، وإنما إدراك لحقيقة نحاول تغطيتها بتفاصيل حياتية متوارية خلف ستار زائف.
الفنون هي بمثابة رداء فاخر نرتديه لنتحمل بشاعة تواطؤ الرغبات في شن حروب شاملة، محاولين إيجاد السلوان في الإبداع وسط هذا الخراب.
الثنائية هي قبلة الوجود التي توصلنا إلى حالة التسليم والرضا، والاعتراف بأنَّ الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وأنَّ كلّ شيء له وجهان متناقضان.
الحروب الكبرى هي بمثابة ملاذ إنساني أخير، تلجأ إليه البشرية كمن يندب حظّه ويعوّل على فقدان حياة ولّت بلا رجعة. ولهذا السبب، يُطلق على الإنتاج الأدبي أو الفني الذي يخرج من تحت ركام الحروب "أدب الأطلال"، وقد تعددت المصطلحات التي تصف أدب الحرب وتعبّر عن مآسيه.
الرغبة هي صفة حميمة تلازم الإنسان، وهي تتغير وتتبدل تبعًا للظروف المحيطة والأفكار المتغيرة. فكلّ أيديولوجيا سادت، كان منطلقها الأول حربًا، فالرغبات هي وقود الحروب، تستخدمها لتغيير القيم الراسخة وإعادة تشكيل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهذا التغيير يطال المتحاربين على حدّ سواء، ومن هم على هامش القوى المتصارعة.
إننا أشبه بالبطل الأسطوري سيزيف وصخرته التي يعذّب بها، نسير مثقلين بعبء الخطيئة، ونتظاهر بتجسيد الآلام الإنسانية من خلال الفنون، محاولين تجميل بشاعة الواقع وفظاعته.
غالبًا ما نتناسى الحصيلة المأساوية لتلك الحروب. فعلى مرّ السنوات، شهدنا تدمير آثار إنسانية عظيمة وسرقتها. وما حدث في أفغانستان أو العراق أو سوريا من عمليات نهب واسعة النطاق للتراث الإنساني ليس ببعيد. فالحرب ليست مجرد تدمير للحاضر، بل هي تدمير سافر للمنجز الإنساني عبر الزمن، محوًا لذاكرة الأجيال القادمة.
وإذا كانت الفنون تجسّد وقائع الكوارث التي تخلفها الحروب، فإنها غالبًا ما تغفل عن سرقة حضارات بأكملها. فتجار الحروب ولصوصها ينهبون كنوز ما بين النهرين كمثال صارخ على تدمير الماضي والحاضر معًا، جريمة لا تغتفر في حق الإنسانية.
إننا نذرف الدموع على الألم المباشر الذي يسببه الموت والتشريد، لكننا نادرًا ما نبكي على ضياع الأثر الحضاري للإنسان الأول، هذا الإرث الذي لا يعوّض.
نحن شهود هذا العصر، فالحرب الإسرائيلية الفلسطينية والحرب السوفيتية الأوكرانية تجاورهما عشرات الحروب الأخرى في بقاع مختلفة من العالم. وكلّ منها يخلّف ويلات إنسانية حقيقية، بينما الناتج الفني والإبداعي لا يعكس بحق حجم الفواجع التي تتسبب بها هذه الحروب.
حروب تُستخدم فيها أسلحة فتاكة، نارية وبيولوجية، لإفناء أعداد كبيرة من الناس. وفي خضمّ هذه الحقبة المليئة بالصراعات، تزدهر الأخبار والتقارير التلفزيونية. وأعتقد أنَّ ما تنتجه القنوات الإخبارية سيغدو في الغد أدبًا رفيعًا، خاصةً تلك التقارير التي تتسم بالبناء الرصين والأسلوب اللغوي البليغ. فهل هذا يعني أنَّ التقارير التلفزيونية أصبحتْ أدبًا يضاهي الحرب ويلتحم بها مباشرة؟
تلك القنوات تتغذى على مآسي العالم، ونيران الحروب تستعر في أماكن عديدة. وضحايا الموت والتهجير بالملايين. وفي كلّ بقعة من هذه البقاع، يوجد كتّاب وفنانون وإعلاميون، ينتجون أعمالًا كردّة فعل على هذا الدمار. ونتواطأ معهم ومع أنفسنا على أنهم جسّدوا المأساة الإنسانية، بينما نجد في الواقع أنهم عمدوا إلى تضخيم ذواتهم من خلال استغلال معاناة الإنسان وانتهاك أبسط حقوقه.
لقد أوهمنا التاريخ بأنَّ الماضي كان جوهرة لم تشوّهها الحروب في وقتها، بينما الأعمال المكتوبة ليست سوى شظايا من تلك الجوهرة، تكشف عن جزء يسير منها. ونصف الناتج الأدبي والفني بالجمال، وهذا الجمال هو جمال القبح. فالثنائية حاضرة بقوة، وكلّ طرف يسعى لإنهاء الآخر. ومن رحم هذا الصراع الثنائي تتولد كلّ المجالات. فالخط الإنساني الفردي يبدأ بالولادة وينتهي بالموت، وفي المسافة بينهما تتولد الجماليات التي نتناسى بها النهاية المحتومة. وليس في هذا تشاؤم أو إحباط، وإنما إدراك لحقيقة نحاول تغطيتها بتفاصيل حياتية متوارية خلف ستار زائف.
الفنون هي بمثابة رداء فاخر نرتديه لنتحمل بشاعة تواطؤ الرغبات في شن حروب شاملة، محاولين إيجاد السلوان في الإبداع وسط هذا الخراب.
الثنائية هي قبلة الوجود التي توصلنا إلى حالة التسليم والرضا، والاعتراف بأنَّ الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وأنَّ كلّ شيء له وجهان متناقضان.